خرجت من بطن أنثى لتعذبني أنثى أخرى ! صرخت أمي وصرخت أنا , كلنا كنا نبكي
نفس الدموع بإختلاف الأسباب !! لم يكن الألم سبب بكاءها بقدر ماكان السبب حزنها علي !
أما أنا فكنت أبكي من الهوس والعشق وقصة الكفاح اللذيذ المؤلم التي بدأت . الفاصل
الزمني بين الأنثيين ( 0 ) ! لأن تلك الفاتنة الغامضة غمزت لي قبل أن يمسني
قماش . كانت ترتدي لباس يغطي جسدها كاملاً ! لا يُظهر إلا عين غامزة تكفلت
بالإستحواذ علي . أكملت كل تفصيل صغير فيها في خيالي , تخيلت أن جسدها الأرض
قبل آدم وروحها الحجر الأبيض قبل تغيير اسمه ! عينها الأخرى أجمل من عينها
الغامزة . يداها أبواب الجنة ونحرها جسر العبور من الفردوس إلى الكوثر , خصرها
الأحبال اللامرئية التي تربط الأرض بالسماء , قدماها أوتاد تثبت الأرض وتهز عرش
قلبي ! كل شيء في تلك الفاتنة يدعوني إليه ويخبرني أن الجمال موجود , يزرع بذرة
الكمال في خيالي ثم يتوارى تماماً كما توارت هي بعد أول لقاء . في تلك اللحظة وقبل
أن أتعلم تحريك قدمي تعلمت الركض , كنت أركض من دون تحريك جسدي باحثاً
عنها , أتفرس الوجوه وأمعن النظر بالعين اليمنى حتى أتيقن أنها لا تمت لتلك العين
الغامزة بصلة ! أقنعت نفسي بأني سأجدها إن تمكنت من تدريب جسدي ليساعدني
على الركض ! مر الزمان , التحق بي جسدي وصرت خبير في البحث عنها لدرجة أن
النظرة الأولى كانت تكفيني للحكم إن كانت هي الفاتنة أم لا والإجابة دائماً كانت
( لا ) ! ثم أصبحت أطيل النظر لأي عين يمنى أمامي وأشاهد القبح فيها وبالرغم من
هذا أحاول إقناعي بأنها هي الفاتنة وأن الصورة المرسومة في خيالي تشبهها !
يساعدني على هذا الزمن الطويل منذ آخر لقاء لي بالفاتنة . وأتوّهم أن الواقع مقارب
لصورة الخيال ! أخلق جيوش سعادة ثم أستسلم بعد أن أصدر أمري لهم
بإجتياحي !! أغيب في سكرة لا تدوم ثم أستيقظ وينتصب أمامي خيالها واضحاً , يمحو
لحظات السعادة كما تمحو الأمواج أحرف العشاق ! وتهشم قصور ابتسامتي كما
تغتصب الريح جمال بيوت الورق ! أصرخ , أشتم , أحطم الأشياء من حولي وفي
داخلي !! ثم أذرف دموعاً تشبه دموع أمي ثم أغضب وأقرر الثورة على كل جمال يشبه
تلك الفاتنة . أنغمس كلياً في البشاعة وأحطم كل صورة للجمال في داخلي , وكلما
تخيلت تمثال الفاتنة أفتح عيناي فيختفي !! وعندما أصل إلى ذروة انغماسي في السواد
أرى مصباحاً مضيئاً يشوّه قبح الأشياء من حولي , لا أتمكن من رؤية المصباح أول
الأمر بسبب الضوء المنبعث منه , كان شيئاً في الضوء يجرني إلى البداية , يشعل
قنديلاً ويعلقه في غرفة الخيال التي أغلقتها بالشمع الأسود ! الآن أستطيع رؤيتها ..
هاهي العين الغامزة أمامي إلا أني لا أرى بقية جسد الفاتنة !! أحلق نحوها .. اقترب
منها وينكشف لي الباقي من أجزاء جسدها وتكون خيبتني بحجم أملي ! بعد معرفتي أن
قبح تلك الأجزاء يفوق جمال عينها الغامزة !! كنت أتخيل يدها ممدودة تدعوني إلى
الجنة وتأكدت أنها شيطان جماله يساوي حجم الهلاك الذي يجرني إليه .