قال تعالى( إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم )وقال( فمن عفا وأصلح
فأجرة على الله )وأمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالعفو عن
أصحابه والاستغفار لهم، كما قال تعالى(فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت
فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر
فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين)وأثنى سبحانه على المتصفين
بالعفو عن الناس وكظم الغيظ ,كما قال تعالى(وسارعوا إلى مغفرة من ربكم
وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء
والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)ومن الآيات القرآنية
الكريمة التي أنزلها الله تعالى، لتسمو بالمؤمن إلى أعلى درجات العفو
والتسامح، تلك الآية التي نزلت في شأن أبي بكر الصديق وابن خالته مسطح بن
أثاثة، الذي شارك في حديث الإفك الباطل، فقد كان مسطح من فقراء المهاجرين،
وكان أبو بكر، رضي الله عنه ينفق عليه لقرابته منه، فلما وقع حديث الإفك،
وعلم أن مسطحاً كان من المتورطين فيه، حلف أن لا ينفق عليه أبد الدهر لظلمه
لابنته ووقوعه في عرضها,فأنزل الله تعالى في ذلك(ولا يأتل أولو الفضل منكم
والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا
وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم، والله غفور رحيم)لقد كان أبو بكر،
رضي الله عنه رفيقا رحيما كثير الشفقة والرحمة، ولم يكن من عادته الشدة
والقسوة، كما هو معروف عنه وعن سيرته ، ولكن شأن هذه الحادثة المفتراة كان
لا يحتمل، فقد كان يتناول عرض ابنته أعف نساء العالم وامرأة أفضل الأنبياء
والرسل، ينزل جبريل في بيتها فيتلو وحي الله على نبيه، فلم يكن غضب أبي بكر
رضي الله عنه انتقماً لنفسه وإنما كان لله, وإن كانت نفسه البشرية لا ترضى
بالضيم الواقع عليها ,وكان ما ينفقه على مسطح فضلا منه وإحسانا,فرأى أنه
لا يستحق ذلك الفضل والإحسان، لعظم مساءته التي اقترفها، فقطع عنه النفقة،
ومع ذلك يؤكد الله تعالى عليه تلك التأكيدات المتوالية، ليعفو ويصفح عن
مرتكب ذلك الذنب العظيم، ويعيد إليه فضله, فقد نهاه في الآية الأولى عن
الاستمرار في حلفه(ولا يأتل)وذّكره بالقرابة التي شرع الله وصلها،
وبالمسكنة التي يستحق صاحبها الرحمة والإحسان، وبالهجرة التي هي من أعظم ما
يتقرب به المسلم إلى ربه في سبيل دينه، ثم أمره بالعفو والصفح,أن نفسية
المؤمن حينما تكون متخلقة بأخلاق الحلم والعفو والتسامح فإنه يكون مثلا
يُحتذى في الملاطفة وسمو الخلق ولين الجانب وحسن المعشر,ودعا الرسول صلى
الله عليه وسلم كذلك إلى هذا الخلق فقال( لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا
تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخواناً ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه
فوق ثلاث )فما أسعدك إن عفا عنك من أخطأت في حقه فتجاوز وأغض الطرف, وحث
الرسول صلى الله عليه وسلم على العفو والسماحة، وقال(ما نقصت صدقة من مال،
وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله)وقال
صلى الله عليه وسلم( من كظم غيظاً وهو يستطيع ان ينفذه دعاه الله يوم
القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخَير في أي الحور العين شاء )